فراسة المؤمن - وبالحق انزلناه -->
وبالحق انزلناه وبالحق انزلناه
test banner

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

فراسة المؤمن


في فراسة المؤمن

قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}[1]، قيل: المتفرسون.[1] الحجر15: 75.

قال النبي صلى الله عليه وآله: اتقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور الله[2]، يعني ينظر بنور وهبه الله له.[2] بصائر الدرجات: 377 ح 10

وروي عن اُويس رحمه الله انّه لما قصده حيان بن هرم قال له حين رآه: السلام عليك يا أخي حيان بن هرم، فقال له: من أين لك معرفتي ولم ترني؟ فقال له: المؤمن ينظر بنور الله، وانّ أرواح المؤمنين تسام كما تسام الخيل.

والفراسة أنوار سطعت في القلوب لحقائق الايمان، ومعرفة تمكّنت في النفوس فصدرت من حال إلى حال حتّى شهدت الأشياء من حيث أشهدها سيدها ومولاها، فنطقت عن ضمائر قوم وأمسكت عن آخرين، والفراسة أيضاً نتيجة اليقين، وطريق المؤمنين.

وسُئل النبي صلى الله عليه وآله عن قوله تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ}[1] قال: يقذف في قلبه نوراً فينشرح ويتوسّع.[1] الأنعام 6: 125.
والتفرس من خواص أهل الايمان، سطعت في قلبه أنواراً فأدرك بها المعاني، ومن غضّ بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشهوات، وعمّر باطنه بصفاء السريرة ومراقبة الله تعالى، وظاهره باتباع الكتاب والسنة، ولم تدخل معدته الحرام، وخرس لسانه من الكذب والغيبة ولغو القول لم تخط فراسته.

وينبغي لمن جالس أهل الصدق أن يعاملهم بالصدق، فإنّ قلوبهم جواسيس القلوب، وينبغي الكون معهم لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}[2]، يعني المعلوم لهم الصدق، وهم أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله أجمعين.[2] التوبة 9: 119.

والدليل على صدقهم قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }[3]، والكذب أيضاً رجس.[3] الأحزاب 33: 33.

وقال صلى الله عليه وآله: انّي تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلّوا أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وانّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض.

فأمر باتباعهم إلى يوم القيامة، فدلّ ذلك على انّ كل زمان يكون منهم من يقوم بالكتاب والعمل به في تفسيره وتفصيل حلاله وحرامه، ولم يقل بذلك سوى الشيعة الاثنى عشرية. فدلّ هذا التفصيل على صدقهم أيضاً فيجب الكون معهم، وانّ الصدق مفتاح كل خير، ومغلاق باب كل سوء، وما لزمه إلاّ كل من نجى من ورطات الذنوب وفضيحات العيوب.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: الصادق على شرف منجاة، والكاذب على شفا مهواة ومهانة[1].[1] تحف العقول: 101
وقال النبي صلى الله عليه وآله: لا يزال العبد يصدق حتّى يكتبه الله صدّيقاً، ولا يزال يكذب حتّى يكتبه الله كذّاباً[2].[2] الكافي 2: 338 ح 2

والصدق عماد الدين ونجاة المسلمين، وهو تالي درجة النبوة، ورأس الفتوّة، وموجب مرافقة النبيين، قال الله تعالى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا }[3].[3] النساء 4: 69.

والصادق اسم لازم للصدق، والصدّيق المبالغ فيه، المتحرّي له في أقواله وأفعاله وكل حالاته التي تصدق قوله فعله، ومن أراد أن يكون الله معه فليلزم الصدق، فإنّ الله تعالى يقول: انّ الله مع الصادقين.

والمداهن لا يشمّ رائحة الجنّة، والصادق الذي لو كشف سرّه لما خالف ظاهره، وقد قال الله تعالى: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[4]، يعني في انّكم أحباء الله وأولياؤه، لأنّ الحبيب يتمنّى لقاء حبيبه.
[4] الجمعة 62: 6.

والصدق علامة صحّة المعرفة والمهابة والمراقبة له لمشاهدته حال المخلوقين في أسرارهم وخلواتهم، ومعاملة الله تعالى بالصدق ساعةً خير من الضرب بالسيف في سبيل الله سنةً، ومن عامل الله تعالى بالصدق في عباده أعطاه الله من نور الفراسة ما يبصر به كل شيء من عجائب الدنيا والآخرة، فعليكم بالصدق من حيث يضرّكم فانّه ينفعكم، وايّاكم والكذب من حيث ينفعكم فانّه يضرّكم.

وعلامة الكذب تبرّعه باليمين من غير أن يحلّفه أحد، فانّه لا يحلف الرجل في حديثه إلاّ لأحدى خصال ثلاث: اما لعلمه انّ الناس لا يصدّقونه إلاّ إذا حلف لمهانته عندهم، أو لتدليس كذبه عندهم، أو لغو في النطق يتّخذ حلفه حشو في كلامه.
والصدق مجلبة للرزق، لقوله عليه السلام: الصحة والصدق يجلبان الرزق. والصدق هو أصل الفراسة، والفراسة الصادقة هي أول خاطر من غير معارض، فإن عرض عارض فهو من وساوس النفس.

وجاء في قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}[1]، أي ميت الذهن، فأحياه الله بنور الايمان والفراسة، وقوله: {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}[2]، يعني الكافر في ظلمات كفره لا نور له ولا فراسة ولاسبب يستضيء به عند ظلمة نفسه، فاعتبروا يا اُولي الأبصار.[1] الأنعام 6: 122.--[2] الأنعام 6: 122.

إرشاد القلوب: ج1 ص 358-361

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

عن الموقع

author وبالحق انزلناه  ذاك حق الوقت لكن هذا الحق فيما يأتي به، في الأحكام التي تأتي. القرآن ذكر أمرين (بالحق أنزلناه) بالوقت المناسب، الحكمة التي اقتضت إنزاله في هذا الوقت. ثم (وبالحق نزل) ما ...

معرفة المزيد ←

زوار المدونة

احصاءات المدونة

جميع الحقوق محفوظة

وبالحق انزلناه

2020