…"ولا أحل لأحد أن يروي عني هذا الخبر إلا على هذه الصيغة؛ فإن هذا إسناد مقلوب، فيشبه أن يكون الصحيح ما رواه أنس بن عياض؛ لأن داود بن قيس أسقط من هذا الإسناد أبا سعيد المقبري، فقال: عن سعد بن إسحاق عن أبي ثمامة.
…وأما ابن عجلان فقد وهم في الإسناد وخلط فيه، فمرة يقول: عن أبي هريرة، ومرة يرسله ، ومرة يقول: عن سعيد، عن كعب.
…وابن أبي ذئب قد بين أن المقبري سعيد بن أبي سعيد إنما رواه عن رجل من بني سالم، وهو عندي سعد بن إسحاق، إلا أنه غلط على سعد بن إسحاق، فقال: عن أبيه عن جده، عن جده كعب.
…وداود بن قيس وأنس بن عياض قد اتفقا على أن الخبر إنما هو عن أي تمامة". وبيانه – رحمه الله – للعلل في كتابه كثير، وفيما مضى – إن شاء الله – كفاية.
أمثلة ورعه – رحمه الله – وتحريه في النقل:
…ومن سمات كتابه ما في كلامه على الأحاديث وتعاليقه عليها من فوائد تنبيء عن عالم متورع ذي منهج أصولي، داع للمنهج السوي ومرغب فيه.
…فمن ذلك أنه ذكر(1) أن مسدد بن مسرهد – رحمه الله – سأله عن حدثث عمار ابن ياسر: "أمرنا بصوم عاشوراء قبل ان ينزل رمضان..." إلى آخر الحديث، فذكر أنه أجابه – يعني أجاب مسدداً – بقوله: "قلت له مجيباً: إن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر أمته بأمر..." إلى آخر كلامه، ثم قال في آخر كلامه: "ولعلي زدت في الشرح في هذا الموضع على ما أجبت السائل في ذلك الوقت".
فهذا يدل على أنه – رحمه الله – ورع، وهذا الورع دفعه إلى أن يبين للقاريء أنه ذكر هنا معنى ما أجاب به مسدداً فقط، وليس هذا هو نص الكلام الذي أجاب به مسدداً في ذلك الوقت.
أمثلة أصالة منهجه واعتداله:
__________
(1) انظر: صحيح ابن خزيمة (3/285).