…ترك ابن حبان عدة مؤلفات – كما أشرت إلى ذلك – منها المفقود وبعضها موجود. وكانت تصانيفه هذه محط إعجاب العلماء به. يقول تلميذه الحاكم: صنف فخرج له من التصنيف في الحديث ما لم يسبق له.
…ويقول ياقوت الحموي صاحب معجم البلدان: أخرج من علوم الحديث ما عجز عنه غيره.
…فمن هذه الكتب التي لا نجد لها أثراً الآن، ويظهر أنها هي التي يتحسر الخطيب البغدادي على مثلها – برغم قرب عصره من عصر ابن حبان – من هذه الكتب كتاب "الهداية إلى علم السنن"، فيصفون أنه كتاب ضخم ورائع في تأليفه، وذلك أن ابن حبان – رحمه الله – مزج بين الفقه والحديث في هذا الكتاب، فيأتي للمسألة فيبوب عليها، ويورد تحتها ما يورد من الأحاديث، وإذا أورد الحديث أخذ يترجم لرجاله رجلاً رجلاً من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى طبقة شيوخه، ويتكلم عن كل واحد بما فيه من كلام، فيعتبر هذا الكلام أيضاً كتاباً في الرجال، وبخاصة إذا كان هذا الكلام صادراً من مثل ابن حبان، فإنه مفيد للغاية.
…ثم بعد ذلك يتطرق لما يمكن أن يكون معارضاً لهذا الحديث من الأحاديث الأخرى، أو المعاني الموجودة في أحاديث أخرى، فيأتي بتلك الأحاديث ويبدأ يتكلم عليها من ناحية فقهية، فيجمع بينها إن أمكن الجمع، أو يبين ما هو ن اسخ وما هو منسوخ، أو يحاول أن يوضح المشكل ويبين علل ما فيه علة، إلى غير ذلك من الصناعة الحديثة الممزوجة بالناحية الفقهية، مما جعل هذا الكتاب يكون محل إعجاب كثير من العلماء به.
…كذلك كتابه الآخر في "شعب الإيمان"، وفلسفة ابن حبان في هذا الكتاب أنه تأمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم – كما يقول هو – تأمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون شعبة"(1).
__________
(1) أخرجه البخاري (9) عن أبي هريرة، وهو عند مسلم (35/57)، وأخرجه (35/58) بالشك. وقد أخرجه ابن حبان (166، 190، 191).