…فمثل هذين الحديثين ظاهر هما التعارض ، وابن حبان لما أخرج هذين الحديثين في صحيحه حكم عليهما كليهما بالصحة ، ثم وفق بينهما بقوله : إن حديث بسرة يعتبر ناسخاً لحديث طلق بن علي ، واستشهد على ذلك بأن قدوم طلق بن علي على النبي صلى الله عليه وسلم كان في أول هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لأنه شارك النبي صلى الله عليه وسلم في بناء المسجد ، وأن حديث بسرة بعد ذلك لأنها إما كانت في الحبشة وأنها هاجرت بعد ذلك ، فحديثها يعتبر متأخراً عن حديث طلق بن علي ، والمتأخر ينسخ التقدم ، فبين أن العمل وفق حديث بُسرة ، وأن حديث طلق بن علي صحيح ولكنه منسوخ .
…فهذه من تعقيباته على بعض الأحاديث ، وهي تعقيبات جيدة وأمثلتها كثيرة .
…كما أنه – رحمه الله – حينما يخرج حديثاً يبين أحياناً أن البعض يتوهم أن هذا الحديث لا يُعتبر حديثاً صحيحاً لأجل فلان بن فلان ، مثلاً : أخرج حديثاً من طريق سهيل بن أبي صالح(1) عن أبيه ، ثم ذكر أن بعض الناس ق ديطعن في هذا الحديث لأجل تفرد سهيل بن أبي صالح به ، ثم بين أن سُهيلاً لم يتفرد بالحديث فأخرجه من طريق أخرى ، فهو إذاًُ يعني بجمع طرق الحديث ويقطع الدابر على من يمكن أن يُعل الحديث ، وهذا من براعته في علم الحديث .
…وصل الحديث والآخر أرسله ، يقول : فأنا أقبل رواية الواصل ، ورواية الرافع ، ولا أعل الرواية الأخرى بها لأنهما ثقتان " . وعنده أن الثقة خبرة مقبول ، فهذه قاعدة يسير عليها.
__________
(1) سُهيل بن أبي صالح ، ذكوان السمان ، أبو يزيد المدني ، صدوق ، تغير حفظه بآخره ، روى له البخاري ، مقروناً وتعليقاً . من السادسة ، روى له أصحاب الكتب الستة . تقريب : 2962 .
قال أبو حاتم . يُكتب حديثه ، ذكره ابن حبان في الثقات . بالجرح والتعديل : (4/246) ، الثقات : (6/417) .