…لا تقول : إن الذهبي يُوافق الحاكم ، فهذا الكلام غير صحيح ؛ لأن الذهبي لا يُمكن أن يخفى عليه مثل هذا الكلام ، ونحن نجد أن الذهبي إنما يحكي كلام الحاكم فقط ، فكيف تقولون إنه أقر الحاكم ؟
…وللجواب على ذلك نقول : تختلف أحوال الذهبي مع الحاكم ؛ فالذهبي أحياناً يتعقب الحاكم ، وقد أوردت بعض أمثلة التعقب ، وأحياناً يحكي كلام حكم فقط ، فإذا حكاه يقال له : إقرار وموافقة ، وقد بينت مثاله ، وأما أنه لا يذكر كلام الحاكم إطلاقاً ولا يتعقبه بشيء ، فإن هذا سكون . فهي إذن ثلاثة أحوال : تعقب ، وإقرار ، وسكوت .
…نجد أن الذهبي سكت عن حديث عمارة بن حزم قال : رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر ، فقال : "أنزل من القبر ؛ لا تؤذي صاحبه ولا يؤذيك "(1) .
…فهذا الحديث سكت عنه الحاكم وسكت عنه الذهبي أيضاً ، ولكن الذهبي حينما سكت عنه ، لم يسكت عنه فيما يظهر ، لأنه لا يحوره(2) فيه الكلام ، بل إنه علق الحديث عن ابن لهيعة ، وكأنه يشر إلى من يقف على الحديث إني أبرزت لك ابن هليعة فاعرف أنه هو الذي يعتبر علة هذا الحديث .
…فأحياناً قد يصنع الذهبي هذا الصنيع ، ويشر للعلة مجرد إشارة بطريقة تعليقه للحديث بهذه الصورة ، وأحياناً لا يصنع هذا .
…وبعض طلبة العلم الذين أشرت إليهم ، وبعض المؤلفين يرون ، أننا حين نقول عن حديث من الأحاديث : إن الذهبي وافق الحاكم وأقره عليه ، كأن يقول الحاكم : "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه" ، فيذكر الذهبي هذا الحديث في "التخليص" ويقول : "خ،م"، أي أن الحاكم قال : على شرط البخاري ومسلم ، ثم لا يتعقبه بشيء – هم يقولون حينذاك : لا يجوز لكم أن تقولوا : إن الذهبي وافق الحاكم . ونحن نقول : إن الذهبي وافق الحاكم في هذه الحالة .
__________
(1) أنظر : المستدرك (3/590) .
(2) من الحيرة .