…لعل مثل هذه الاستنباطات التي في غير موضعها عند ابن حبان هي التي دعت أبا عمرو بن الصلاح – رحمه الله – إلى أن يقول عنه(1): "وربما غلط في تصرفه الغلط الفاحش على ما وجدته". ويصدقه الذهبي – رحمه الله – بقوله: "صدق أبوعمرو".
قوله لبعض العبارات الموهمة التي أدت إلى الحكم بقتله:
…بل إن أسلوب ابن حبان هذا حدا به – مع تاثره بعلم الكلام – إلى ارتكاب أخطاء أدت به إلى امتحانه بل كادت تؤدي إلى مقتله، ومن ذلك أنه أصدر عبارة موهمة جعلت الناس في حيرة منها، حينما قال: "النبوة: العلم والعمل"، فحكموا عليه بالزندقة، وهجر، وكتب فيه إلى الخليفة، فكتب بقتله، فالذي يظهر أنه هرب واختفى ونجاه الله.
…وقد لا يكون البعض يدرك مدى خطورة هذه العبارة حتى أوضحها بما يلي:
…الفلاسفة يرون أن النبوة مكتسبة وليست موهبة من الله – جل وعلا – للعبد، بل يمكن للإنسان أن يكون نبياً، وذلك بترويض نفسه برياضة معينة مع العلم والعمل بذلك العلم، هذا رأي الفلاسفة.
…أما أهل السنة: فيرون أن النبوة موهبة من الله – جل وعلا – لأنبيائه عليهم السلام، وأنه ليس بمقدور العبد إطلاقا أن يكون نبياً مهماً حاول ومهما روض نفسه.
…فهذه العبارة من ابن حبان فهم منها بعضهم أنه يقول بمقالة الفلاسفة وذلك زندقة، فثار عليه أهل عصره وبخاصة من كان في قلبه عليه شيء، إما من جراء عصبية مذهبية كما جرى مع الحنفية الذين كانوا يساكنونه في ذلك البلد.
…أو ربما من جراء المشاحنة بينه وبين بعض علماء عصره كما يجري غالباً بين الأقران.
…أو ربما من بعض المتحمسين الذين يغارون على دين الله – جل وعلا -، فيرون من ابن حبان في إصداره لهذه العبارة أنه أخطأ خطأ فاحشاً يؤدي به إلى الزندقة والمروق من الدين، نعوذ بالله من ذلك.
اعتذار الحافظ الذهبي عنه فيما قال:
__________
(1) انظر: سير أعلام النبلاء (16/94).