وقد نص في مقدمته ، وبسط هذا الكلام بما مؤداه أنه إذا أخرج حديثاً لراو موصوف بالتدليس فلابد أن يكون هذا ا لراوي صرح بالتحديث لذلك الخبر ، أو يكون صرح به في غير ذلك الموضع ، وليس شرطاً أن يخرجه ابن حبان ولكنه اشترط على نفسه أن يكون مطلعاً على تصريحه بالسماع .
فهل يا ترى يسلم لابن حبان بمثل هذا ، فيقال عن حديث جاء من طريق بعض الموصوفين بالتدليس ورواه بالعنعنة في صحيح ابن حبان : إن هذا مما يمكن أن يحتمل ؟
نقول : هذه هي القاعدة العامة ، لكن لابد من الالتفاف إلى مسألة ، وهي : أن يكون ابن حبان ممن وصف هذا الراوي بالتدليس ، وإلا قد يكون لا يعرف أن هذا الراوي مدلس ، أو لا يرى أنه مدلس ويخالفه غيره .
أقول هذا لأني وقفت مرة من المرات على خبر عرف أن هذا الراوي دلسه صراحة حينما ورد في بعض الطرق بزيادة راو ، فتيقنا أن هذا الراوي دلس هذا الخبر ، فكيف أخرجه ابن حبان بإسقاط الواسطة بين ذلك المدلس وبين شيخه ؟ أي أن الحديث مدلس عند ابن حبان .
أقول : لا أستطيع أن أتصور السبب إلا هذا ، قد يكون ابن حبان ممن لا يرى أن هذا الراوي مدلس ، أو لا يعرف أنه مدلس أصلا ، أو قد يكون وقع في خطأ لا يعرو منه بشر ، العلم عند الله .
كذلك أيضاً من الشروط ا لتي اشترطها أن لا يخرج حديث الراوي الذي عُرف بالاختلاط إلا من طريق من روى عنه قبل الاختلاط ، ولذلك أيضاً هذه المسألة يمكن أن يطمأن إليها حد كبير مثل مسألة التدليس التي أشرنا إليها .
تساهله في التوثيق وتشدده في الجرح :
…وابن حبان حينما يشترط مثل هذه الشروط نجد أن ينطلق من منهج عرف عنه فهو من الموصوفين بالتساهل في التوثيق ، وبالتشدد في التجريح ، فلذلك هؤلاء الرواة الذين يوثقهم ممن عرف أنهم لا يعرفون بعدالة ولا جرح – ينبغي الاحتياط في قبول أحاديثهم عند ابن حبان .