فنجد أن الحديث لا تعلق به ظاهراً بهذا الباب ، فهل البخاري حينما أورد هذا الحديث لم يكن مستحضراً لأمر آخر أورد هكذا جزافاً ؟
هناك من تطاول على البخاري وكما يقول بعض الشراح : صوب إليه سهام اللوم ـ لإيراده هذا الحديث في هذا الكتاب ولكنه غفل عن أمر أراده البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ
وهو أنه جعل هذا الكتاب بمثابة مجلس العلم مثلاً ، أو أي عبادة من العبادات التي يمكن بها الإنسان ربه جل وعلا ، والعلم عبادة . فيريد أن ينبه طالب العلم إلى مسألة مهمة جداً وهي ضرورة تجريد النية وإخلاص النية في طلب العلم .
فكأنه يقول لك : أنتبه ياطالب العلم ، فأنت حينما تقرأ في كتابي هذا إنما تقرأ في حديث النبي صلي الله عليه وسلم ، وتتعبد الله جل وعلا بهذه الأحاديث ، وتريد العمل بها أو إفتاء الناس بها أو تحصيل العلم الذي هو في حد ذاته عبادة ، فهذه العبادات يشترط فيها أمران : الإخلاص والمتابعة .
فهو أراد أن يشير إلى الطرفالأول وهو الإخلاص فيقول لك :
قبل أن تبدأ في الطلب أخلص النية ، وجردها عن أي تعلق آخر . هذا هو الذي أراده البخاري ـ رحمه الله ـ حينما أورد هذا الحديث .
ولذلك كثر عند أهل العلم افتتاح كتبهم بهذا الحديث ، ومن المتأخرين السيوطي ـ رحمه الله ـ حينما أفتتح كتابه الجامع الصغير بحديث " إنما الأعمال بالنيات " ، برغم أنه حينما يفتتح بهذا الحديث سيدخل بالترتيب الأبجدي الذي أخذه على نفسه ، ولكطنه صنع ذلك لنفس المقصد الذي أراده البخاري رحمه الله .
