عرفنا في هذا إن موضوع كتاب البخاري إفراد الصحيح الثابت من سنة النبي صلي الله عليه وسلم وفرزه عما سواه من الأحاديث التي لا تثبت ، وهذا يمكن يستفاد من تسمية كتابه البخاري ، فإنه سماه ( الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم وسنته وأيامه ) هذا اسمه الكامل . وإن كان اختصر إلى ( صحيح البخاري ) ، فهذه تسمية مختصرة فقط .
لما ألف رحمه الله هذا الكتاب لم يكن تركيزه علي الرواية ـ بمعنى أن يورد الأحاديث الصحيحة فقط مجردة عن أي شيء آخر … لا ، وإنما كان له هم غير هذا وهو التفقه ، فرأى أن يجعل هذه الأحاديث الصحيحة مبوبة على الأبواب الفقهية بطريقة فيها استنباطات دقيقة ، بحيث إنها بمجموعها يمكن أن تشكل مذهباً للبخاري ـ رحمه الله ـ .
وهذا هو الذي حدث ، فنجد بعض العلماء حينما يناقش مسألة علمية من المسائل يقول : وهذا ماذهب اليه البخاري . من أين عرف أن البخاري ـ رحمه الله ـ ذهب هذا المذهب ؟ عرف ذلك من خلال تلك التراجم التي يترجم بها على تلك الأحاديث التي يوردها في صحيحه .
ومع ذلك أيضاً فإنه لم يقتصر على هذه الأحاديث فقط ، ولكنه بما أنه يريد التفقه فإنه جمع لهذه الأحاديث غيرها ، فنجد أنه يورد الآيات ( آيات الأحكام ) ويوزعها بحسب تناسبها مع تلك الأبواب التي يبوب بها ، وبلا شك أن ثبوت القرآن لا نزاع فيه ، فإذا كأنه يجعل الآيات هذه أصلاً ، ثم بعد ذلك يورد ما صح من الأحاديث التي على شرطه ثم الأحاديث التي يوردها في المتابعات أو الأحاديث التي يوردها معلقة ، أو غير ذلك كالآثار الواردة عن الصحابة ـ رضي الله عنهم .
