فإذن لا نستطيع أن نأخذ على أنفسنا بأن البخاري رحمه الله حينما يورد حديثاً من الأحاديث بالجزم ـ معلقاً مجزوماً به ـ أن ذلك الحديث صحيحاً على الإطلاق : فمنه ماهو صحيح وهو في صحيحه ، ومنه ما هو صحيح وهو في خارج صحيحه كصحيح مسلم ، وماهو صحيح عند غيرهما ، ومنه ماهو حسن ، ومنه ماهو ضعيف .
ولكن البخاري ـ رحمه الله ـ حينما يجزم القول أو بذلك الحديث عن أحد فإنه يقول : أنا تكلفتت لك بالإسناد إلى هذا الذي جزمت به عنه ، وأما من بعده ممن أبرزت لك وأظهرت فأنت مخير ، انظزر إن ثبت عندك فأنت وشأنك ، وإلا فالأمانة تقتضي أن أبين لك المواضيع التي يمكن أن يعل بها ذلك الحديث .
ويمثلون على هذا بقوله ـ رحمه الله ـ في كتاب " الزكاة " :
قال طاوس : قال معاذ لأهل اليمن : " أئتوني بزكاتكم خميص أو لبيس بدل الشعير والذرة فإنه أنفع لأصحاب النبي في المدينة وأرفق بكم " . أوكما جاء في ذلك الأثر .
فالبخاري رحمه الله حينما قال : قال طاوس . يقول لك الإسناد من عندي إلى طاوس صحيح تكلفت لك بهذا ، ولكن من بعد طاوسانظر فيه أنت ـ فحينما نظرنا وإذا بطاوس يقول : قال معاذ لأهل اليمن … طاوس يماني ولكنه لم يدرك معاذاً رضي الله عنه فإذن هناك انقطاع بينه وبين معاذ ، وهذا الاتقطاع هو الذي دفع البخاري رحمه الله إلي أن يقول مقولته هذه ، أو الى ان يعلق الحديث الى طاوس ثم يظهر من بعد طاوس ، وكأنه يقول لك : أنتبه فهنا مواطن العلة التي يمكن ان يعل بها ذلك الحديث . من العلماء من يتساهل في الحديث المرسل ويقبله ، وربما بعضهم اشترط شروطاً في ذلك ـ وليس هذا موضع التفصيل فيه ـ فيمكن أن يأخذ بهذا الحديث .
