وفي إعتقادي أن هذا الرأي هو أوسط وأعدل الأقوال ، ليس كالقول الذي يهدد قول الليث بن سعد ، ويقول : أبو الزبير غير مدلس ، فهذا فيه إهدار لكلام إمام من الأئمة ، ولاعتماد أئمة آخرين عليه ـ كالنسائي وغيره ـ ، كما أن التعرض للأحاديث التي في صحيح مسلم ليس بلائق ، والسبب في ذلك عدة أمور هي :
أولا : أننا نجد مسلماً ـ رحمه الله ـ من الأئمة الذين لهم معرفة تامة بعلل الأحاديث ، واختار هذه الأحاديث وتجنب أحاديث أخرى لأبي الزبير ، فلماذا يا ترى أعرض عن تلك الأحاديث التي لأبي الزبير وهي باسانيد صحيحة الى أبي الزبير ، ولم يخرجها في صحيحه ، دل هذا على أنه انتقى بعض الاحاديث التي تحقق لديه بأنه صحيح حديث أبي الزبير .
ثانياً : أن مسلما ً ـ رحمه الله ـ صنع مثل صنيع البخاري في عرضه كتابه على أئمة عصره ، فإنه عرض هذا الكتاب ـ الذي هو الصحيح ـ على شيخه ابن واره ، وعلى أبي زرعة الرازي أيضاً وعلى أئمة آخرين في عصره ، فهذا العرض منه جعله ينظر الى تلك الأحاديث التي نقدوها مثل نقدها أبو زرعة الرازي فأبعدها مسلم من صحيحه . إذا دل أن هذه الأحاديث المبقاة في صحيح مسلم مما أقره أبو زرعة الرازي ـ وهو إمام ـ علىتصحيحها.
ثم إننا نجد أيضاً أن هذه الأحاديث التي من رواية أبي الزبير في صحيح مسلم ، قد تعقب الدار قطني مسلماً في كتابه كله واجتنب نقص هذه الأحاديث ،ولم ينقص الدارقطني من الأحاديث التي من رواية أبي الزبير سوى حديث واحد فقط ، فهل ياترى نقضه عليه بسبب التدليس ؟
الجواب : لا ، وإنما نقضه عليه لأن الزبير شك في الحديث ، هل هو مرفوع أم لا ؟ فجاء به على الظن والتخمين ، فيقول : أحسبه رفعه الى النبي .
