ثم ذكر أن ما سكت عنه فهو " صالح " ، واضطربت عبارات العلماء واختلفت مشاربهم في توضيح هذه العبارة التي ذكرها أبو داود وماذا يريد بكلمة صالح . ونلخص أقوال هؤلاء العلماء في نقطتين :
هل يعني بصالح أنه صالح للاحتجاج ، أو أنه صالح للاعتبار ؟
وصالح للاحتجاج بمفرده ، أي : حينما يُورده يمكن أن يحتج به في ذلك الباب . أو صالح للاعتبار ، بمعنى : أن فيه ضعفاً يسيراً ، ولكنه يصلح لأن يتقوى وينجبر ضعفه بتعدد الطرق .
فهل يا ترى أراد أبو داود هذا المعنى أو ذلك المعنى ، صالح للاحتجاج أم صالح للاعتبار ؟
هناك طائفة من العلماء ذهبت إلى أنه يقصد : صالح للاحتجاج ، ولذلك حينما يوردون حديثاً سكت عنه أبو داود في كتابه السنن يقولون : وهذا الحديث أقل أحواله أنه حسن ، لأن أبا داود سكت عنه وهو لا يسكت إلا عن حديث على أقل الأحوال أنه حسن .
وهناك طائفة من العلماء يرون أنه يسكت عن الحديث على أنه صالح للاعتبار ، وإلى هذا المذهب ذهب الحافظ ابن حجر رحمه الله .
والخلاصة في ذلك : أننا إذا تأملنا تلك الأحاديث التي يوردها أبو داود فنجد فيها فعلاً أنه تكلم عن بعض الأحاديث التي فيها –كما يقول- وهن شديد ، ولعل أقرب الأمثلة على هذا إخراجه لحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما في صفحة حجاب المرأة : ( وإن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهاذ – وأشار إلى وجهه وكفيه )(1) .
وأبو داود –رحمه الله- حينما أخرج هذا الحديث قال : ( هذا حديث مرسل ، خالد بن دريك لم يدرك عائشة ) فبين علة الحديث . فهذا الحديث يصلح أن يكون نموذجاً للأحاديث التي يتكلم عنها أبو داود ويبين ضعفها ووهنها .
__________
(1) أخرجه أبو داود – كتاب اللباس : فيما تبدي المرأة من زينتها (4104) .
