…وقد قال ابن خزيمة – رحمه الله – في صحيحه(1) "المختصر من المختصر من المسند- عن النبي صلى الله عليه وسلم، على الشرط الذي ذكرنا بنقل العدل عن العدل موصولاً إليه صلى الله عليه وسلم من غير قطع في الإسناد ولا جرح في ناقلي الأخبار، إلا ما نذكر أن في القلب من بعض الأخبار شيئاً(2)، إما لشك في سماع راو ممن فوقه خبراً، أو راو لا نعرفه بعدالة ولا جرح، فنبين أن في القلب من ذلك الخبر، فإنا لا نستحل التمويه على طلبة العلم بذكر خبر غير صحيح لا نبين علته فيغتر به بعض من يسمعه، فالله الموفق للصواب"أهـ.
…فهذا الكلام من ابن خزيمة – رحمه الله – يمثل منهجه في هذا الكتاب، وبه يتضح غلط من زعم أن ابن خزيمة كابن حبان يصحح لمن لا يعرف بعدالة ولا جرح؛ فابن خزيمة يتوقف عن ذلك كما هو ظاهر من منهجه في هذا الكتاب في مواضع عديدة، حيث يقول: "إن صح الخبر فإني لا أعرف فلاناً بعدالة ولا جرح"، وهذه في الحقيقة تعتبر ميزة عظيمة لكتابه على كتاب ابن حبان.
دقته – رحمه الله – في تعقبه للأحاديث:
…ومن دقته – رحمه الله – تعقبه للأحاديث بما يزيل اللبس على المطلع على كتابه، فمثلاً حين أخذ في ذكر الأدلة التي تتعلق بالحجامة للصائم، وحتى لا يقال: إنه ذكر الحديث في كتابه فهو صحيح إذا على شرطه – نبه على ذلك فقال(3): "فكل ما لم أقل إلى آخر هذا الباب: إن هذا صحيح؛ فليس من شرطنا في هذا الكتاب".
…وقد يورد ابن خزيمة إسناداً فيه راو يعلم هو أنه ثقة، ولكنه يخشى أن يقف عليه من لا يعرف ثقته فيتهمه بالتساهل، فنجده – رحمه الله – يورد بإسناده عن بعض الأئمة ما يفيد ثقة ذلك الراوي.
__________
(1) قال ذلك في أول كتاب الصيام (3/186).
(2) في الأصل: شيء.
(3) انظر: صحيح ابن خزيمة (3/236).